طلب العلم| تلخيص كتاب مسلكيات.
هذا تلخيص لكتاب به حصيلة تمعنات وتفحصات في مسالك وطرق طلب العلم.
وهذا الكتاب للدكتور إبراهيم السكران، يوضح أن الخير كله، أصله وفصله، منحصر في العلم والإيمان.
وللكتاب جزئين، الأول بعض مسالك طلب العلم، والثاني مسالك الإيمان، اسم الكتاب مسلكيات.
أولًا: بعض موانع طرق العلم لدى الكثير.
• أول طريق العلم| جسر التعب.
هنا الكاتب يفسر سبب الفشل كثيرًا في الطموحات والأحلام، وهو أن الخطط فوق الصخور، والأرجل مازالت ناعمة ما حفيت بعد.
يوجد في نفوس الكثير وهم مطمور أنه يمكن أن يبلغ المرء المجد وهو لم يكابد المشاق ويلعق الصبر.
فمعالي الأمور والطموحات الكبرى، لا تكشف وجهها لك حتى تمسح العرق عن جبينك بيد ترتعش من التعب.
فالمستقبل نتيجة الماضي، وثمرته الطبيعية، إن لم تتعب الآن لن تنال النعيم فيما بعد، فالنعيم لا يدرك بالنعيم.
والعلم لا يُستطاع براحة الجسم، ولا عبور إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب، فالنجاح سلم صعب لا تستطيع تسلقه ويداك فى جيبك.
والحقيقة أن أعظم ما يعين النفس على تحمل هذا التعب الذي تتطلبه المعالي، أن يستحضر المرء الثمرة، ويستحضر في ذهنه حسن العاقبة والخاتمة.
كما يقول ابن الجوزي رحمه الله “تلمح فجر الأجر يهن ظلام التكليف”؛ وبقدر التعب يكون النجاح.
لا تكنن ممَنْ باع دنياه بعرض من الدنيا قليل، ألا وهو المتعة لوقت وجيز وندم على ذلك الوقت طول العمر.
ولا تكتفي بالعلم القليل، فقد قال سعد بن جبير: لا يزالُ الرجلُ عالمًا ما تعلَّم، فإذا تركَ التَّعلُّمَ وظنَّ أنَّه قد استغْنَىٰ واكْتفَىٰ بما عندَهُ، فهو أجهلُ مَا يكُون.
• مانع في الطريق| مأزق المترقِّب.
الأنسان المترقب هو إنسان متفرج، ينفث الدقائق والساعات من عمره كما ينفث المدخن صحته في الهواء غير مكترث أومهتم.
يمكنه أن يشاهد محاضرة أو دورة عن فضل العلم ومناقب المعرفة، تشتعل حماسته ويتخيل أنه حبس نفسه في جدران غرفته بين أرفف الكتب.
لكن سرعان ما يموت لهيب حماسته ويرجع لبرنامجه اليومي كمتفرج.
لأن الإنسان المترقب لديه مشكلة تسمى ترحيل المهام، وحالة التفرج والترقب هذه فيرس خطير يهدد حياة كل واحد منا.
لكنه أخطر لكل شاب يعيش في المرحلة الذهبية للتحصيل العلمي، فهذا أفظع وأخطر في حقه.
وهذا يمثل الحالة السبهلالية التي وصفها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر المروى عنه:”إني أكره الرجل يمشي سبهللًا، لا في أمر الدنيا، ولا في أمر الآخرة”.
وأكبر عوامل الحالة السبهلالية ما يمكن تسميته مشكلة التقطع والترحال بين الخطط والمشروعات.
كثيرون يبدؤون طلب العلم، لكن العلماء هم من يستمرون، ولذلك قيل: من ثَبَت نَبَت!
قال محمد بن يوسف الفريابي: قال لي سفيان الثوري يومًا وقد اجتمع الناس عليه، يا محمد، تَرى هؤلاء ما أكثرهم، ثُلث يَموتون، وثُلث يتركون هذا الذي تسمعونه، ومِن الثلث الآخر ما أقلَّ مَن يَنجُب أي يبقي يطلب العلم ولا يتكاسل ويتخاذل.
ومن الظواهر المثيرة للغرابة فعلًا، أن دور المترقب لم يعد يقتصر على متابعة الجدليات والمناقضات عبر الشبكات.
فتحدث نتوءات أي فجوات في لاوعي المترقب، وتدهور في ذوقه، وضعف في قدراته الذهنية.
وأصبح بشكل غير واعي منه نسخة كان يستقبحها من الآخرين، فأصبح هو هذه النسخة القبيحة.
فنمط المادة المقروءة توثر في القارئ، دون أن يشعر، وحتى إن كان غير مقتنع بها، لأن غذاء العقل الصالح زاحمه الفاسد حتى تغلب عليه.
ومن جانب آخر أن من الحكمة أن من بدأ عملًا وارتاحه له فليستمر عليه، فمن بورك له في شئ فليلزمه، فلا يمضي عليك الوقت بدون فائدة وسبهللًا، وفي تقطع وترحال.
وأيضًا مارس الرياضة، مع ملاحظة أن لفظ الرياضة يستعمل في ثلاثة أنواع: رياضة البدن بالحركة والمشي، ورياضة النفوس بالأخلاق الحسنة، ورياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة.
• إلباس العجز رداء الحكمة.
قد خلق الله عز وجل النفوس متفاوتة في القدرات والاستعدادات والملكات والقوى والفروق الفردية.
وأيضًا تفاوت بين غزارة شعب العلم، ومحدودية القدرات البشرية وقصر العمر، فتجد كثيرًا من الناس في لحظات الفتوة العلمية.
يتحامل على نفسه أي يوهمها بمصافحة النجوم وهو في أسفل الوادي، كلما سمع اسم علم هفت نفسه إليه.
ثم لا تلبث ارتطامات الواقع أن تحفر أخاديد الأحباط في أحلامه، وتتنوع استجابات الناس لهذا السيناريو المتكرر في حياة الكثيرين، ولكن أسوء الاستجابة، إلباس العجز جبة الحكمة.
ومن نماذج هذه الاستجابة هو حفظ العلم في الصدور، وهو أعظم شعب العلم، لكن هنا من لم يستطيع حفظ العلم لم يعترف لنفسه بالعجز.
ولا يجتهد في تحفيز أخونه ممن يستطيع، بل تراه يخذل أخوانه في حفظ العلم، ويظهر ألوان الملامز أي العبر(بالمثل المصري القطط الفطسانه) في المشتغلين بحفظ العلم.
الضعفاء فقط من يرون أي تميز تهديدًا مباشرًا لهم.
ويخترعون مضادات ليس لها أصلًا فقط لتشويش الآخرين مثل، احفظ ولا تفهم، أفهم ولا تحفظ، والصحيح أن الحفظ والفهم لا ينفصلان.
وأيضًا من أسباب سوء الفهم، ظن الكثير أن الحفظ بتكرار اللفظ، ولكن الصحيح أن حفظ العلم بإدمان النظر والتدبر والتأمل فيه.
وكلما حفظ طالب العلم الكثير زادت قدراته وأمكانياته أكثر على الحفظ.
ومن جانب آخر أن من شعب العلم التبحر وسعة الأطلاع وجرد المطولات وثراء المقروءات، ومقارنة المصادر والكتب مفتاح للتحقق والبلوغ في العلم.
لكن احذر أن تكون من شداة وهوات طلب العلم الذي يبدأ الطريق ويولعون بشراء الكتب فقط، وهذا تحذير باقتناء الكثير من الكتب بدون فائدة لك.
ثانيًا: بعض طرق طلب فريضة العلم.
• فن القراءة الجردية.
من وسائل استثمار وقت القراءة ما يسمى بقراءة الجرد، وهي المطالعة السريعة للكتاب بحيث يكتشف القارئ هيكل الكتاب ومحتواه.
وذلك حتى لا يتورط في قراءة كتاب كامل وبعد ذلك يكتشف أنه كان مضيعة للوقت ولم يستفيد منه سواء ضياع الوقت.
وهذه القراءة السريعة ليسة تصفح عشوائي بل هي تصفح منظم.
والمراد أن الانخراط في القراءة التفصيلية للكتاب، قبل عملية التصفح المنظم، نوع من الغرُر المعرفي، وهو يشبه ركوب السفينة قبل تصفح الخارطة.
ودعا الكاتب للقراءة بسرعة وليس ببط أو سرعة شديدة، لأن العمر قصير، والوقت يجري، والعلوم بِحار لا تنتهي.
• التصنيف التحصيلي.
يستطيع الكثير من طلاب العلم أن يكتب كتابات جمع وتلخيص واختصار بكثرة، لكن أن يكتب كتابة تحرير وتدقيق وتحقيق تكون مرجع لكبار العلماء.
فغالبًا ذلك يحتاج كثير من البحث والتنقيب والتحقيق والاطلاع، وغيرها من المتطلبات.
وعلى سبيل المثال لا الحصر برغم أن الأمام النووي رحمه الله طلب العلم متأخرًا ومات مبكرًا، إلا أنه ترك مؤلفات تعد مرجع لكثير من العلماء.
وذلك لأنه جعل تصنيفه تحصيلًا، وتحصيله تصنيفًا، أي استغل دراسته لتحصيل العلم في الكتابة والعكس أيضًا.
فأغلب مؤلفات الإمام النووي التي تناولها الآن ألفها في العشرينات والثلاثينيات من عمره.
ومن العلماء أيضًا يوجد من جمع وصنف للاستفادة، لا للإفادة، وقال بعض العلماء: ينبغي لطالب العلم أن يشتغل بالتصنيف والتخريج فيما فهم منه.
وهل هذا قاصر على التصنيف فقط للاستفادة من العلم؟
لا بل على سائر وسائل الإنتاج والعطاء العلمي، مفيدة في التحصيل، فمثلًا تدريس العلم، بظن البعض أنه مرحلة تأتي بعد الأنتهاء من طلب العلم، بل تدريس العلم وسيلة من وسائل طلبه.
فإذا قطع الطالب شوط في علم معين، يبدأ في تدريسه لمن هو دونه، ويلاحظ كيف تتفتح له مسائل كانت مخفية، ويتبين له في التفاصيل والفروق والتدقيق، ما لم ينتبه له سابقًا.
اجعل تعليمك للآخرين دراسة لعلمك.
والهدف هنا تنشيط البحث والتأليف بين الطلبة المتميزين المتهيبين من التأليف.
ظننا منهم أن هذه المرحلة تكون بعد الأنتهاء من طلب العلم، وغفلتهم عن كون التأليف من وسائل التعلم.
وإلى هنا نكون قد انهينا تقريبًا أهم النقاط في القسم الأول للكتاب، وهو مسالك طلب العلم.
وفي الختام نقدم لك نصيحة لعلها تفيدك حيث أنه بعد شفائك من هوَس التَّواصل الإجتماعي؛ ستكتشف أن كثيرًا ممَّن حولك قطعوا آلاف الأميالِ في الحياة الواقعيَّة؛ كثيرون حفظوا القرآن كاملًا، كثيرون نهّلوا من العلمِ وتقدَّموا فيه، كثيرون أصلحوا حالّهم مع الله وصاروا من المقرَّبينَ، وكثيرٌ منهم أصبحوا من الصَّالحين وأنت لا زلتَ أمام الشَّاشة”
ألم يحن الوقت لتتحرك؛ لتصنع تغير بنفسك، لنفسك ولأبنائك ولحياتك، وليس للعالم، لا نريد منك أن تثبت شئ لأحد فقط أثبته لمن هو ذي قربة منك.
تذكر دائم قول الله تعالى: فَوَربِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون.
وجهز إجابتك لهذا السؤال، ما كنت تعمل.
كتابة/ ملك أحمد عبد الظاهر.
أقراء أيضًا:
طريق الإيمان| تلخيص كتاب مسلكيات(الجزء الثاني).