عزيزي المثقف أنت لست كذلك
ماذا لو ، ظللت أعتبر إبراهيم الفقي رحمه الله أعظم من كتب في الإنتاجية و التنمية الذاتية ،
ربما ظللت متعلقًا بوهم التوكيدات و تكرار كلمة أنا ناجح في المرآة أو ربما آمنت بقانون الجذب أو البرمجة العصبية اللغوية أو أي من هراء التنمية البشرية المعلب سيء السمعة.
كما رأيت في العنوان (عزيزي المثقف أنت لست كذلك) لما تلك المقدمة؟؟ ستعلم الأن ؟
عزيزي المثقف أنت لست كذلك
هناك لحظة تفصل ما بين الاكتراث و اللااكتراث ، ما بين معرفتك أن الحياة بوسع المحيط و جهلك بذلك لأن كل ما تعلمه حوض الاسماك الذي تعيش فيه ،
تلك المشاعر جربها كل مهتم بالشأن العام أو مهتم بتحسين نفسه بشكل مستمر ، ربما كانت البداية بفيديو قصير قررت بعده الاهتمام بأمر ما ، أو نصيحة من صديق أو انبهار بشخص .
ستكون البدايات هنا قريبة في كل الأحوال ، ستقرأ أشهر ما يُكتب ، سيكون نجمك المفضل
في تطوير الذات أشخاص يقدمون محتوى بسيط يحسك على التخلص من علاقاتك السامة أو احترام حدودك النفسية،
و ستقرأ روايات باعتبارها هي الأفضل في عالم الفانتازيا لآنها الأكثر مبيعًا و كل من حولك يتحدث عنها ،
بداية معلومة للجميع و قوائم الكتب الأكثر مبيعًا تشهد بذلك .
لا تهم البداية هنا فلن تكون موسوعة الثقافة العامة أول قراءاتك ، أو الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ في بداية قراءتك للراوية ،
و سلم النظرة العلوية للأمور تبدأ بخطوات بسيطة ككتاب ” مفاتيح النجاح العشرة” .
يبدأ مبتدئين كرة القدم اللعب في ملعب خماسي في أحيان كثيرة ، فعضلات المبتدئ ليست بالقوة التي ستؤهله للعب في ملعب طوله حوالي 100 متر ،
و بالتدريب المستمر على التحمل و على أبعاد الملعب و تكتيكات اللعب في ملعب المحترفين يستطيع من كان مبتدئ أن يلعب في الملعب الكبير .
لا يختلف الأمر هنا عن مثال الملعب فاختيار الكتب كذلك ، فعندما تكون مبتدئ لا يهم ماذا ستقرأ بشكل كبير ،
المهم هو استمرارية فعل القراءة لذلك ستكون الكتب ذات اللغة السهلة و المواضيع البسيطة هي غايتك ، لكن المشكلة أن تظل تلك هي عاداتك دائمًا ،
تكمن المشكلة في استمرارك في لعب الكرة في الملعب الخماسي طوال عمرك ، أن تخرج من حوض سمك لحوض سمك أوسع .
لكن كيف ؟ كيف تنتقل من مرحلة قارئ مبتدئ لقارئ ، الأمر بسيط و سأقول لك خطوات بسيطة ستساعدك على ذلك:
لا تقرأ أكثر الكتب مبيعًأ:
ليست قاعدة عامة لكنها مهمة ، الكتب أكثر مبيعا تخاطب جمهور لا يقرأ بشكل كبير أو مستمر ، لذلك حجم الكتاب أو محتواه سيكون من السهل قراءته لكنه لن يفيدك بالشكل المرغوب،
الأمر يشبه الذهاب لصالة الألعاب الرياضية ” الجيم ” و حمل وزن قادرًا على حمله بسهولة دون أي تعب، لزيادة قوة عضلتك القراءية يجب عليك قراءة الكتاب الذي تشعر بإرهاق
بسيط تقدر على تحمله و لا تكون كل قراءتك مجموعة من الكتب سهلة القراءة قليلة الصفحات عليها كلمة الأكثر مبيعًا.
أدخل المكتبة و أعرف الكُتاب :
أعرف من يكتب و يُباع له كتب و لا تقتصر على مشاهير الكُتاب الذين باعوا أكبر عدد من الكتب ” راجع القاعدة الأولى ” ،
عندما تعلم من هم الكُتاب من حولك ستعلم عدد أكبر من الكتب و ستعلم تخصصات و تفرعات أكثر، فمثلا صادفت
كتاب رحلتي الفكرية للدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله، بعد علمك بوجود كاتب كبير بهذا الاسم ابحث عن
أعماله السابقة ستجد كتب أخرى مثل الفردوس الأرضي ، موسوعة اليهود و اليهودية ،الإنسان و الحضارة ..إلخ ،
حينها ستعلم مجال كتابة عبدالوهاب المسيري و عندما يلح عليك سؤال تريد إجابته في
اختصاصه سيتوجب عليك زيارة أقرب مكتبة لك و بداية رحلة البحث عن كتاب جديد لمكتبك.
تابع من يهتم بالقراءة
جود ريدز ، مجموعات فيس بوك ، أيا كان المهم انت تجد من يهتم بالقراءة و ينقد الكتب و يرشحها ،
وجودك وسط مجتمع مهتم بالقراءة سيوفر عليك وقت الوقوع في تجارب سيئة و سيساعدك في اختيار كتابك التالي
و الذي ستختاره عن تأكد من جودة محتواه دون الوقوع ضحية سيط الكتاب أو تصميم الغلاف الجذاب أو الاسم المثير للجدل.
أعرف تصنيفات العلوم :
تنقسم العلوم عموما لاقسام ثلاثة : العلم التجريبي ، و هو الفيزياء ، الكيمياء ، الأحياء ..إلخ و أساس منهج العلم التجربي هي التجربة .
الإنسانيات : و هي ما تختص بالانسان دون غيره و لا يمكن قياسها كاللغة أو الفلسفة أو الاديان ، التاريخ ، الفن ، الأدب.
العلوم الإجتماعية : و هي العلوم التي تدرس سلوك الانسان وسط المجموعة و يمكن قياس ظواهرها،
كعلم الاجتماع ، علم النفس ، علم الاقتصاد ، علم الإدارة ..إلخ بمعرفتك خارطة العلوم
ستعرف مجالك الذي ستهتم به و افضل من فيه و اسوء من فيه كذلك.
أعرف لما تقرأ:
لنهرب من الواقع !! لانها مخدرات رخيصة الثمن !! لانها تبني واقع أفضل في مخيلتنا !! ، كل تلك الاجابات تشبه استخدام الذهب في صنع منشار ،
جهلًا بقيمة الذهب ، القراءة ستعرفك أين نحن و لما أصبحنا هنا و هل سنظل هنا للأبد ؟ و أين غيرنا و كيف أصبحوا هناك و هل سيظلوا هنا للأبد ،
ستعلمك القراءة ان تستخدم دماغك في امور اخرى غير التذكر ، مثل التحليل و الاستنتاج و ربط الخيوط و النقد ، لنعلم وسع العالم و نعلم كم ألوانه ،
لنستوعب الجميع و كيف يفكر كل من حولك ، لنحسن قدراتنا على إتخاذ القرارات الجيدة ، لنحل مشاكلنا بشكل أكثر فاعلية ،
لننجح في اختبارات كل يوم من بداية أستيقاظك من النوم حتى عودتك إلى سريرك . فالقراءة لن تجعل منك مخزن معلومات
بل شخص يستطيع التعامل مع واقعه بشكل أفضل و أكثر حكمة .
أبدأ بجمع كتب مكتبتك الخاصة
جمع كتب المكتبة هي رحلة ستسغرق السنين، و ستجد نفسك بعد مرورها لديك العديد من الدرر التي جمعتها خلال رحلة إطلاعك
ستجد تسلسل زمني لتطورك،فبجوار أمواج أكما ستجد البؤساء و تعلم كم كانت الرحلة ممتعة و مليئة بالشخصيات و الأحداث
والمشاعر كذلك ، في مرحلة تكوين المكتبة خاصتك لا يهم أن كنت ستفهم الكتاب الذي ستشتريه الآن لأن ليس من الضروري
قراءته في الوقت الحالي، مثلًا أشتريت في المرحلة الثانوية كتاب المقدمة لابن خلدون و لم أستوعب ما كتب، و من فترة قليلة
قرأت معظم محتواه و علمت أهمية الكتاب التاريخية، فلا تردد في شراء الكتب التي قد تجدها صعبة لأنك ستجدها بعد ذلك
أقل صعوبة، ثم في النهاية ستجد نفسك تقرأ ما فيها بكامل عقلك و فهمه.
عزيزي المثقف أنت لست كذلك ، أنت تحاول في ذلك و لا يهم لقب مثقف في النهاية فلسنا في سباق جمع ألقاب
في النهاية تلك الأمور البسيطة هي مفاتيح جربها كلها و سيفتح لك باب التخصص في النهاية،
عندها ستبدأ مرحلة جديدة ستوظف كل قدراتك فيها لغرض واحد أو غرضين وقتها ستحتاج المزيد
من الأدوات لتنتقل من المتخصص المبتدئ للمتخصص المحترف و هو مقال أخر ستجده هنا