“شانلي أورفا…قدس الأناضول”
“شانلي اورفا…قُدس الأناضول”
شانلي اورفا..”SanlIurfa” بالتركية
أورفا المقدسة..اورهاي بالأرامية..أديسا باليونانية..او الرها في المصادر التاريخية العربية
مدينة تركية تقع جنوب شرق الاناضول ضمن النطاق الجغرافي لما يعرف بإقليم جزيرة الفرات، و تبعد قرابة 40 كيلو متر عن الحدود السورية، و يقطنها ما يقرب من نصف مليون نسبة هم خليط من العرب و الأتراك و الأرمن و الأكراد و الفرس..
تاريخ المدينة ضارب في القدم، و يرجع لأكثر من 12 ألف عام هي عمر معبد “غوبكلي تبه”، الذي كشف الستار عن بقاياه مؤخرا، و يعتبر أقدم بناء للعبادة يتم الكشف عنه علي الإطلاق
، و تعد المدينة وجهة هامة لعلماء الحفريات و الانثربولوجيا و المهتمين بدراسة تاريخ الإنسان الأول..
لكن الجانب الديني و هو الأبرز و الأشهر يرجع إلي إجتواء المدينة علي اثار عدد كبير من الأنبياء عاشوا في ظلالها لسنوات
و هو ما لم يتاح لمدينة اخري خارج فلسطين التاريخية
فعلي مشارف المدينة يطل ما بات يطلق عليه منذ قرون طويلة بجبل خليل الله
، هنا علي قمم الجبل عاش ابراهيم عليه السلام رحلة تأملاته في السماء و كواكبها و نجومها “الآفلين”
و في وسط المدينة توجد أشهر معالمها و أكثرها غرابة علي “بحيرة الأسماك”، حيث تحكي الكتب المقدسة الثلاثة أن القوم اجتمعوا علي حرق الفتي اللذي شذ عن القطيع و خلع رداء قومه و عبادتهم
و حفر قوم ابراهيم حفرة شديدة العمق ملئت بالحطب و الحجارة
و اوقوا فيها نارا حامية امتدت ألسنة لهيبها للسماء،فاحترقت بها الطير، حتي انهم عجزوا عن الاقتراب لالقاء الفتي فقذفوا به للنار بواسطة منجانيق
، و هنا حدث التدخل الإلهي و” قيل للنار كوني بردا و سلاما علي ابراهيم” فصارت النار ماءا و صار الحطب أسماك و خرج الفتي سليما لم يمسه السوء..
و ينحصر تواجد فصيلة الأسماك تلك في بحيرة اورفا فقط، و قد قدم للمدينة عدد كبير من العلماء و الباحثين الأوروبيين خلال المئة عام الأخيرة لمحاولة دراسة البحيرة و أسماكها و لكن دون جدوي نظرا لأن الأسماك تموت بمجرد خروجها من مياه البحيرة..مما دفع سكان المدينة للاعتقاد بالقدرات الإعجازية للبحيرة و أسماكها..
كما تضم المدينة أيضا بين جنباتها كهف يتحدث المؤرخون و سكانها عن كونه فيما مضي سكنً لنبي الله أيوب طوال سنوات ابتلائه الطويلة، و ان البئر المجاور للكهف هو ذاك البئر الذي ذكرت التوراة أن أيوب شُفي من مرضه بعد الاغتسال من مائه
كما تذكر بعض الروايات أن المدينة كانت محل لسكن عدد من الانبياء الأخرين، و منهم نبي الله يعقوب الذي فر للمدينة التي كان يقطنها حينها خاله لابان و ذلك بعض الخلاف الشهير الذي دبَ بينه وبين اخيه “العيص او عيصو” كما تذكره التوراة
و قد تزوج يعقوب فيها وفق الروايات من ابنتي خاله “ليا و راحيل”..
كما يتوسط المدينة مسجد يضم مقاما يُعتقد انه يرجع لنبي الله شعيب عليه السلام
و في السنوات القليلة التي تبعت ميلاد المسيح عليه السلام و خلال فترة خضوع المدينة للحكم البيزنطي ,حكم المدينة ملك يدعي ” أبجر الخامس”
اشتُهر بأنه ارسل للسيد المسيح رسالة اعلن فيها اعتناقه المسيحية و دعي السيد المسيح للقدوم للمدينة
و السيد المسيح ارسل له بالمقابل رسالة بارك فيها المدينة و اهلها، مرفق معها منديل مسح به المسيح علي وجهه فطُبع وجهه علي المنديل “وشاح المسيح”
فتح المسلمين المدينة صلحاً عام 638 م بقيادة الصحابي “عياض بن غنُم”، و قد كان فتحها بمثابة مقدمة لخضوع الأناضول للدولة الإسلامية و بداية ضعف الدولة البيزنطية و تفككها..
و ظلت المدينة خاضعة للحكم الإسلامي حتي سقطت في يد الصليبين لتصبح إحدي إماراتهم الأربع عام 1098 م تحت مسمي “كونتية الرها”
و استعاد المسلمين حكم المدينة من الصليبين عام 1144 م
و من المدينة نفسها خرجت اول ترجمة أوروبية للقرآن الكريم
و خضعت المدينة للحكم العثماني في عهد السلطان سليم الأول عام 1517 م
و استمر التواجد الأرمني المسيحي بشكل قوي و مهيمن في المدينة حتي انتهي بطرد الارمن في 1924 م خلال حقبة هيمنة القوميين الاتراك علي الحكم
و اليوم تضم المدينة بين جنباتها ما يزيد عن المليون لاجئ سوري ينعمون بسلام المدينة و يستظلون من ويلات الحرب بدفء عراقتها و مجدها التليد..